الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)
وفي خامس عشره: بدأ التتر في نهب الصالحية، حتى أخذوا ما بالجامع والمدارس والتراب من البسط والقناديل، ونبشوا على الخبايا، فظهر لهم منها شيء كثير حتى كأنهم كانوا يعلمون أماكنها فمضى ابن تيمية في جمع كبير إلى شيخ الشيوخ وشكوا ذلك، فخرج معهم إلى حي الصالحية في ثامن عشره ليتبين حقيقة الأمر ففر التتر لما رأوه، والتجأ أهل الصالحية إلى دمشق في أسوأ حال.وكان سبب نهب الصالحية أن متملك سيس بذل فيها مالاً عظيماً، وكان قد قصد خراب دمشق عوضاً عن بلاده، فتعصب الأمير قبجق ولم يمكنه من المدينة ورسم له بالصالحية، فتسلمها متملك سيس وأحرق المساجد والمدارس، وسبى وقتل وأخرب الصالحية، فبلغت عدة من قتل وأسر منها تسعة ألاف وتسعمائة نفس.ولما فرغوا من الصالحية صار التتر إلى المزة وداريا، ونهبوهما وقتلوا جماعة من أهلهما فخرج ابن تيمية في يوم الخميس عشريه إلى غازان بتل راهط ليشكو له ما جرى من التتار بعد أمانه، فلم يمكنه الاجتماع به لشغله بالسكر، فاجتمع بالوزيرين سعد الدين ورشيد الدين، فقالا: لابد من المال، فانصرف. واشتد الطلب للمال على أهل دمشق، واستمر الحصار، وتعين نصب المنجنيق على القلعة بالجامع، وهيموا أخشابه ولم يبق إلا نصبه.فبلغ ذلك أرجواش، فبعث طائفة هجمت على الجامع على حمية وأفسدت ما تهيأ فيه، فأقام التتر منجنيقاً آخر بالجامع واحترزوا عليه. واتخذوا الجامع حانة يزنون ويلوطون ويشربون الخمر فيه، ولم تقم به صلاة العشاء في بعض الليالي، ونهب التتر ما حول الجامع من السوق. فانتدب رجل من أهل القلعة لقتل المنجنيقي، ودخل الجامع والمنجنيقي في ترتيب المنجنيق والمغل حوله، فهجم عليه وضربه بسكين فقتله. وكان معه جماعة تفرقوا في المغل يريدون قتلهم ففروا، وخلص الرجل بمن معه إلى القلعة سالماً. وأخذ أرجواش في هدم ما حول القلعة من العمائر والبيوت، وصيروها دكا لئلا يستتر العدو في المنازلة بجدرانها، فأحرق ذلك كله وهدمه من باب النصر إلى باب الفرج، وشمل الحرق دار الحديث الأشرفية وعدة مدارس إلى العادلية، وأحرق أيضاً بظاهر البلد شيء كثير، وأحرق جامع التوبة بالعقيبة وعدة قصور وجواسق وبساتين.واشتد الأمر في طلب المال، وغلت الأسعار حتى أبيع القمح بثلاثمائة وستين درهماً الغرارة، والشعير. بمائة وثمانين درهماً، والرطل الخبز بدرهمين، والرطل اللحم باثني عشر درهماً، والرطل الجبن باثني عشر درهماً، والرطل الزيت بستة دراهم، وكل أربع بيضات بدرهم، ووزعت الأموال، فقرر على سوق الخواصين مائة وثلاثون ألف درهم، وعلى سوق الرماحين مائة ألف درهم، وعلى سوق على مائة ألف درهم، وعلى سوق النحاسين ستون ألف درهم، وعلى قيسارية الشرب مائة ألف درهم، وعلى سوف الذهبيين ألف وخمسمائة دينار وقرر على أعيان البلد تكملة ثلاثمائة ألف دينار، جبيت من حساب أربعمائة ألف، ورسم على كل طائفة جماعة من المغل، فضربوا الناس وعصروهم، وأذاقوهم الخزي والذل. وكثر مع ذلك القتل والنهب في ضواحي دمشق، حتى يقال إنه قتل من الجند والفلاحين والعامة نحو المائة ألف إنسان، فقال في ذلك كمال الدين ابن قاضي شهبة: وقال الشيخ كمال الدين محمد بن على الزملكاني أيضاً: وكان ما حمل لخزانة غازان وحده على يد وجيه الدين بن المنجا مبلغ ثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم، سوى السلاح والثياب والدواب والغلال، وسوى ما نهبته التتار، فإنه كان يخرج إليهم من باب شرقي كل يوم أربعمائة غرارة. ورسم غازان بأخذ الخيول والجمال، فأخرج من المدينة زيادة على عشرين ألف حيوان، وأخذ الأصيل بن النصير الطوسي، منجم غازان وناظر أوقاف التتار، عن أجرة النظر بدمشق مائتي ألف درهم، وأخذ الصفي السنجاري، الذي تولى الاستخراج لنفسه، مائة ألف درهم، وهذا سوى ما استخرج للأمير قبجق والأمراء المغل، وسوى المرتب لغازان في كل يوم.فلما انتهت الجباية أقر غازان في نيابة دمشق الأمير قبجق، وفي نيابة حلب وحماة وحمص الأمير بكتمر السلاح دار، وفي نيابة صفد وطرابلس والساحل الأمير الألبكي. وجعل مع كل واحد عدة من المغل، وأقام مقدماً عليهم لحماية الشام قطلوشاه، وجرد عشرين ألفاً من عسكره مع أربعة من المغل بالأغوار.ورحل غازان في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى، وترك على دمشق نائبه قطلوشاه نازلاً بالقصر، وأخذ وزيره من أعيان دمشق بدر الدين محمد بن فضل الله، وعلاء الدين على بن شرف الدين محمد بن القلانسي، وشرف الدين محمد بن شمس الدين سعيد بن محمد سعيد بن الأثير.فلما كان يوم السبت ثالث عشره: بعد رحيل غازان، أمر التتر الذين بدمشق أن يخرج من كان في المدرسة العادلية، فكان إذا خرج أحد أخذوا منه ما يقع اختيارهم عليه بعد التفتيش، ثم دخلوا فكسروا أبواب البيوت ونهبوا ما فيها، ووقع النهب في المدينة فأخذوا نحوا مما استخرج من الأموال أولاً، وأحرقوا كثيراً من الدور والمدارس: فاحترقت دار الحديث الأشرفية وما حولها، ودار الحديث النورية، والعادلية الصغرى وما جاورها والقيمرية وما جاورها إلى دار السعادة وإلى المارستان النوري، ومن المدرسة الدماغية إلى باب الفرج. وأخذوا ما حول القلعة، وركبوا الأسطحة ليرموا بالنشاب على القلعة، فأحرق عند ذلك أرجواش ما حول القلعة وخربه كما تقدم، واستمر قطلوشاه مقدم التتار يحاصر القلعة.وفي تاسع عشره: قرئ بالجامع كتاب تولية قبجق نيابة الشام، وكتاب بتولية الأمير ناصر الدين يحيى بن جلال الدين الختني الوزارة.وفي حادي عشريه: احترقت المدرسة العادلية.فلما عدى غازان الفرات أشار قبجق وبكتمر السلاح دار على قطلوشاه أن يتحول عن دمشق إلى حلب بمن معه من التتار، وجمع قبجق له مالاً من الناس، وسار قطلوشاه في يوم الإثنين ثاني عشرى جمادى الأولى، وترك طائفة من التتر بدمشق، وخرج قبجق لوداعه، وعاد في خامس عشريه ونزل بالقصر.الأبلق ونودي في سادس عشريه ألا يخرج أحد إلى الجبل والغوطة ولا يغرر بنفسه، ثم نودي بخروج أهل الضياع إلى ضياعهم.وفي تاسع عشريه: تحول الأمير قبجق إلى المدينة وأقام بها.وفي يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة: نودي بخروج الناس إلى الصالحية وغيرها، فخرجوا إلى أماكنهم وفتحت الأسواق وأبواب المدينة.وفي يوم الجمعة رابعه: دقت البشائر بالقلعة.وفي سابعه: أمر قبجق جماعة من أصحابه، وأمر بإدارة الخمارة بدار ابن جرادة، فظهرت الخمور والفواحش، وضمنت في كل يوم بألف درهم.هذا وقد نهبت التتار الأغوار حتى بلغوا إلى القدس، وعبروا غزة وقتلوا بجامعها خمسة عشر رجلاً وعادوا إلى دمشق وقد أسروا خلقاً كثيراً، فخرج إليهم ابن تيمية، ومازال يحدثهم حتى أفرجوا عن الأسرى، ورحلوا عن دمشق يريدون بلادهم في ثاني رجب.وأما السلطان الملك الناصر، فإن العساكر تفرقت عنه وقت الهزيمة، ولم يبق معه إلا بعض خواصه والأميرين زين الدين قراجا وسيف الدين بكتمر الحسامي أمير أخور في نفر يسير. وبالغ بكتمر مدة السفر إلى مصر في خدمة السلطان بنفسه وماله، فكان يركبه وينزله، ويشد خيله ويشتري لها العليق ويسقيها، إلى غير ذلك من أنواع الخدمة، حتى قدم إلى قلعة الجبل يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الآخر.ثم ترادفت العساكر إلى الديار المصرية شيئاً بعد شيء في أسوأ حال، وكان ممن قدم معهم الملك العادل كتبغا، وصار يمشي في خدمة الأمير سلار نائب السلطة، ويجلس بين يديه ويرمل عليه إذا علم على المناشير وغيرها. واتفق مع ذلك إنه لما كان كتبغا سلطاناً نودي على جوسن للبيع، فبلغ ثمنه على بيبرس الجاشنكير أربعة آلاف درهم، ثم عرض على كتبغا وقيل له إنه على بيبرس بكذا، فقال: وهذا يصلح لذاك الخرياطي وأخذ الجوسن بثمنه. فلما زالت أيامه صار الجوسن لبيبرس بعد لاجين، فأراد نكاية كتبغا وأحضر الجوسن وكتبغا عنده، ولبسه وقال له: يا أمير إيش تقول؟ يصلح هذ لي؟ فلم يفطن كتبغا لما أراد، وقال له: والله يا أمير هذا كأنه فصل لك فنظر بيبرس إلى الأمراء يشير إليهم، فاشتد عجبهم من تغير الأحوال، فلم يشاهد أعجب من ذلك. وأقيم العزاء في الناس لمن فقد وكانوا خلقاً كثيراً.ثم أخذ السلطان الناصر في التجهيز للمسير إلى الشام ثانياً، وشرع الأمراء في الاهتمام بأمر السفر، وجمعوا صناع السلاح للعمل. وأخذ الوزير في جمع الأموال للنفقة، وكتب إلى أعمال مصر بطلب الخيل والرماح والسيوف من سائر الوجهين القبلي والبحري، فبلغ القوس الذي كان يساوي ثلاثمائة درهم إلى ألف درهم، وأخذت خيول الطواحين وبغالها بالأثمان الغالية، وطلبت الجمال والهجن والسلاح ونحو ذلك. فأبيع ما كان. بمائة بسبعمائة وبألف، ونودي بحضور الأجناد البطالين، فحضر خلق كثير من الصنائعية، ونزلوا أسماءهم في البطالين. وفرقت أخباز المفقودين، ورسم لكل من أمراء الألوف بعشرة من البطالين يقوم بأمرهم، ولكل من الطبلخاناه بخمسة، ولكل من العشراوات برجلين. واستخدم جماعة من الأمراء الغزاة المطوعة احتساباً.واستدعى مجدي الدين عيسى بن الخشاب نائب الحسبة ليأخذ فتوى الفقهاء بأخذ المال من الرعية للنفقة على العساكر، فأحضر فتوى الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام للملك المظفر قطز، بأن يؤخذ من كل إنسان دينار، فرسم له سلار بأخذ خط الشيخ تقي الدين محمد بن دقيق العيد، فأبي أن يكتب بذلك، فشق هذا على سلار واستدعاه وقد حضر عنده الأمراء، وشكا إليه قلة المال وأن الضرورة دعت إلى أخذ مال الرعية لأجل دفع العدو، وأراد منه أن يكتب على الفتوى بجواز ذلك فامتنع، فاحتج عليه ابن الخشاب بفتوى ابن عبد السلام، فقال: لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى أحضر سائر الأمراء ما في ملكهم من ذهب وفضة وحلي نسائهم وأولادهم هم ورأه، وحلف كلاً منهم إنه لا يملك سوى هذا، كان ذلك غير كاف، فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد. وأما الآن فيبلغني أن كلاً من الأمراء له مال جزيل، وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلئ، ويعمل الإناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضة، ويرصع مداس زوجته بأصناف الجواهر، وقام عنهم فطلب ناصر الدين محمد بن الشيخي متولي القاهرة، ورسم له بالنظر في أموال التجار ومياسير الناس، وأخذ ما يقدر عليه من كل منهم بحسب حاله.فما أهل جمادى الأولى حتى استجد عسكر كبير، وغصت القاهرة ومصر وما بينهما بكثرة من ورد من البلاد الشامية حتى ضاقت بهم المساكن، ونزلوا بالقرافة الخمور وشق ظروفها على يد ابن تيمية.وعندما تكملت النفقة على العساكر نودي بالقاهرة ومصر بالسفر، ومن تأخر شنق، ورسم أن يكون سعر الدينار عشرين درهماً. وخرج السلطان في تاسع رجب فسار إلى الصالحية، وقدمت إليه كتب الأمير قبجق وبكتمر السلاح دار والألبكي بقدومهم صحبة عز الدين حمزة بن القلانسي والشريف ابن عدنان، فأقام السلطان بالصالحية.وسار الأميران سلار نائب السلطنة وبيبرس الجاشنكير الأستادار بالعساكر إلى دمشق في ثاني عشرى رجب، فلقوا الأمير قبجق ومن معه بين غزة وعقلان، فترجل كل منهم لصاحبه وتباركوا وأنزلوا، ورتب لهم ما يليق بهم، وأمروا بالتوجه إلى السلطان، وسار الأمراء بالعساكر إلى دمشق. فقدم قبجق بمن معه إلى الصالحية في عاشر شعبان، فركب السلطان إلى لقائهم، وبالغ في إكرامهم والإحسان إليهم، وأنزلهم، ثم سار بهم إلى قلعة الجبل فقدمها في رابع عشره.ودخل الأمير جمال الدين أقش الأفرم إلى دمشق في يوم السبت عاشر شعبان.وفي حادي عشره: قدم إليها الأمير قرا سنقر المنصوري نائب حلب بعساكرها، وقد استقر عوضاً عن بلبان الطباخي، واستقر الطباخي من أمراء مصر بالخدمة السلطانية على إقطاع أقسنقر كرتاي بعد موته. ودخل الأمير أسندمر كرجي نائب الفتوحات الطرابلسية بعساكرها، وقد استقر عوضاً عن الأمير قطلوبك.وفي ثاني عشره: قدمت ميسرة العساكر المصرية، ومقدمها الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح.وفي ثالث عشره: قدمت ميمنة العساكر المصرية، مع الأمير حسام الدين لاجين أستادار.وفي رابع عشره: قدم الأمير سلار النائب والمماليك السلطانية، والملك العادل كتبغا- وقد استقر في نيابة حماة عوضاً عن قرا سنقر المنتقل لنيابة حلب- والأمير كراي المنصوري المستقر في نيابة صفد.ونزل الأمير سلار بالميدان، وجلس في دار العدل بحضور الأمراء والقضاة، وخلع على الصاحب عز الدين حمزة بن القلانسي.وفي خامس عشره: ولى سلار قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة قضاء دمشق، عوضاً عن إمام الدين عمر بن سعد الدين الكرجي القزويني القونوي بعد وفاته.وفي حادي عشريه: ولى قاضي القضاة شمس الدين محمد بن صفي الدين الحريري قضاء الحنفية، وولى الأمير سيف الدين أقبجا المنصوري شد الدواوين، وولي عز الدين أيبك النجيبي بر دمشق، وولي أمين الدين يوسف الرومي، إمام المنصور لاجين، حسبة دمشق، وولي تاج الدين، بن الشيرازي نظر الدواوين.وسير سلار عسكراً إلى حلب، فطرقها على غفلة، وأوقع. بمن فيها من أصحاب غازان وقتلهم، فلم يفلت منهم إلا القليل، ولحقوا بغازان وعرفوه غدر قبجق بهم.وتوجه الملك العادل كتبغا إلى حماة، بعدما كان يركب في دمشق بخدمة الأمير سلار، ويجلس بين يديه كما كان يفعل بالقاهرة، فشاهد الناس من ذلك ما فيه أعظم عبرة، وقدم كتبغا حماة في رابع عشرى شعبان، واستقر كل نائب في مملكته.وكان السعر بدمشق غالياً فانحطت الغرارة القمح من ثلاثمائة درهم إلى مائة وخمسين، وأبيع اللحم الضأن بدرهمين الرطل الدمشقي. وتتبع الأمير جمال الدين أقش الأفرم نائب السلطنة بالشام من كان بدمشق من المفسدين، الذين تولوا استخراج المال في أيام غازان من الناس، والذين دلوا على عورات الناس. فسمر بعضهم، وشنق بعضهم وقطع أيدي جماعة وأرجلهم، ومن المفسدين من قطع لسانه وكحل فمات من يومه.وخلع سلار على الأمير أرجواش نائب القلعة، وأنعم عليه بعشرة آلاف درهم وطلبت مشايخ قيس ويمن من العشير والعربان، وألزموا بإحضار ما أخذ من العسكر وأهل البلاد في توجههم إلى مصر وقت الجفلة.وكان غازان لما أخذ البلاد وعاد إلى الشرق طمع الأرمن في البلاد التي افتتحها المسلمون، وأخذوا تل حمدون وغيرها.فلما استقرت الأحوال ببلاد الشام خرج الأميران بيبرس وسلار بعسكر مصر من دمشق يوم السبت ثامن شهر رمضان يريدان مصر، فوصلا قلعة الجبل في يوم الثلاثاء ثالث شوال بعدما ركب السلطان إلى لقائهم، وكان يوما مشهودًا.وعندما استقر الأمراء، سأل الأمير قبجق أن ينعم عليه بنيابة الشوبك، فأجيب إلى ذلك وخلع عليه. وأنعم على الأمير بكتمر السلاح دار بإمرة مائة بديار مصر، وعلى الأمير فارس الدين ألبكي الساقي بإمرة مائة بدمشق.وفي عشرى شوال: توجه الأمير أقش الأفرم من دمشق لغزو الدرزية أهل جبال كسروان، فإن ضررهم اشتد، ونال العسكر عند إنهزامها من غازان إلى مصر منهم شدائد ولقيه نائب صفد بعسكره، ونائب حماة ونائب حمص ونائب طرابلس بعساكرهم. فاستعدوا لقتالهم، وامتنعوا بجبلهم وهو صعب المرتقى، وصاروا في نحو اثني عشر آلف رام. فزحفت العساكر السلطانية عليهم، فلم تطقهم وجرح كثير منهم، فافترقت العساكر عليهم من عدة جهات، وقاتلوهم ستة أيام قتالًا شديداً إلى الغاية، فلم يثبت أهل الجبال وانهزموا. وصعد العسكر الجبل بعدما قتل منهم وأسر خلقا كثيراً، ووضع السيف فيهم، فالقوا السلاح ونادوا الأمان، فكفوا عن قتالهم. واستدعوا مشايخهم وألزموهم بإحضار جميع ما أخذ من العسكر وقت الهزيمة، فأحضروا من السلاح والقماش شيئاً كثيراً، وحلفوا إنهم لم يخفوا شيئاً فقرر عليهم الأمير أقش الأفرم مبلغ مائة ألف درهم جبوها، وأخذ عدة من مشايخهم وأكابرهم، وعاد إلى دمشق يوم الأحد ثالث ذي القعدة، وبعث البريد بالخبر إلى السلطان.وألزم الأمير أقش الأفرم أهل دمشق بتعليق السلاح في الحوانيت وملازمة الرمي بالنشاب، ونودي بذلك. وألزم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة فقهاء دمشق بذلك، وجلس لعرض الناس في حادي عشريه، وعرض الكافة طائفة بعد طائفة من الأشراف والفقهاء وأهل الأسواق، وقدم على أهل الأسواق رجالاً يلي كل رجل سوقاً. وتتبع الناس بديار بكر التتر، فقتلوا منهم خلقا كثيراً.ولم تخرج هذه السنة إلا وأهل دمشق في فقر مدقع، وفي ذلك يقول علاء الدين على ابن مظفر الوداعي: وذهب لأهل مصر مال كثير في حركة غازان، إلا إنهم لسعة أحوالهم لم يبالوا بذلك.
وقال: ومات شهاب الدين احمد بن الفرج بن أحمد اللخمي الإشبيلي، ولد سنة خمس وعشرين وستمائة. وتفقه على ابن عبد السلام بدمشق، وكان شافعياً، وله قصيدة في علم الحديث.ومات الأمير صارم الدين أزبك نائب قلعة بلاطنس، واستشهد في نوبة غازان على حمص، في ثامن عشرى ربيع الأول.ومات الأمير أقش كرجي المطروحي الحاجب.ومات أقسنقر كرتاي أحد أمراء الألوف.ومات الأمير بلبان التقوى، أحد أمراء طرابلس.وتوفي كاتب السر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن التاج أحمد بن سعيد بن محمد ابن الأثير الحلبي، بعدما صرف.ومات الفقير المعتقد بدر الدين أبو على الحسن بن عضد الدولة أبي الحسن على أخي المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن يوسف بن هود في شعبان، ومولده بمرسية سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. كان أبوه نائب السلطنة بها عن المتوكل، فتزهد هو وحج وسكن دمشق، وكانت له أحوال عجيبة.ومات بيبرس الغتمي، نائب حصن المرقب.ومات بكتاش المنصوري الطيار، أحد أمراء دمشق.ومات ناصر الدين محمد بن أيدمر الحلبي، أحد أمراء مصر.ومات نوكاي بن بيان التتري أبو خوند منكبك امرأة الصالح على بن قلاوون، وأبو خوند أردكين امرأة الأشرف خليل.ومات علاء الدين على ابن الشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبري.ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الحلي. وهؤلاء استشهدوا بوقعة حمص، ما بين قتيل في المعركة ومجروح مات من جراحته بعد ذلك.ومات الطواشي حسام الدين بلال المغيثي الجلالي،. بمنزلة السوادة في تاسع ربيع الآخر، فدفن بقطيا، ثم نقل إلى تربته بالقرافة، وكان خيراً ديناً.ومات الأمير سيف الدين جاغان الحسامي، بأرض البلقان.ومات الأمير علم الدين سنجر الدواداري بحصن الأكراد، في ثالث رجب.وتوفي قاضي القضاة إمام الدين عمر بن سعد الدين عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد القزويني الشافعي، قاضي قضاة دمشق، بالقاهرة في يوم الثلاثاء خامس عشرى ربيع الآخر.ومات تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن أبي عبد الله محمد بن عبد الدائم بن منجا بن على البكري التيمي القرشي النويري، في يوم الخميس ثاني عشرى ذي الحجة، وهو والد الشهاب أحمد النويري المؤرخ الكاتب.ومات شمس الدين محمد بن صدر الدين سليمان بن أبي العز وهيب الدمشقي الحنفي، بدمشق في.ومات حسام الدين أبو الفضائل حسن بن تاج الدين أبي المفاخر أحمد بن حسن بن أبو شر وان الرومي، قاضي القضاة الحنفية بالقاهرة ومصر ودمشق، فقد من الصف على حمص يوم الأربعاء سابع عشرى ربيع الأول، فلم يعرف له خبر، وعمره نحو السبعين سنة.ومات الأمير علاء الدين قطلوبرس العادلي مشنوقاً بدمشق، ظفر به بعد هروبه.ومات شرف الدين أبو محمد الحسن بن على بن عيسى بن الحسن اللخمي، عرف بابن الصيرفي، في خامس عشرى ذي الحجة، وهو في عشر التسعين.
|